تحدثنا في مقالين سابقين عن حقوق الجنين في الإسلام ونبدأ معكم من اليوم بيان حقوق الطفل في الإسلام، ومنها:
1ـ حق الطفل في الحضانة:
ـ فقد كفل الإسلام للطفل الحق في التربية والعناية به صحيّاً ونفسياً واجتماعياً بحيث ينشأ على الفطرة السليمة السوية وكلف الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم الأبوين بحسن تربية الطفل والاهتمام به، وإبعاده عن المضرات البيئية، وأجمع فقهاء المسلمين على أن هذه الحضانة والكفالة واجبة على الوالدين فيجب عليهما حفظه من الهلاك، وجعلوا أحق الناس بحضانة الطفل أمه، واشترط الفقهاء أن تكون الحاضنة سليمة العقل صحيحة الجسم، قادرة نفسياً على القيام بواجبات الحضانة وأن تتولى إحدى قريباته حضانته في حالة فقدان الأم للكفالة ولا تعطى الحضانة للرجل في حالة الانفصال بين الزوجين إلا لضرورة ولرعاية الطفل يجيز الفقهاء إسقاط الحضانة عن الحاضنة في حالة زواجها من غير ذي رحم للطفل أو سفر الحاضنة لبلد بعيد أو إصابتها بمرض معد، كما قال الدكتور عبد العزيز عبد الهادي ف بحثه عن حقوق الطفل بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي.
ـ وبهذا يحمي الإسلام الطفل من الاضطرابات النفسية والعاهات البدنية وسوء التربية.
ـ والأسرة السوية هي أجدر المؤسسات الاجتماعية على تنشئة الطفل النشأة السوية ومن هنا اهتم الإسلام بالأسرة وجعلها مكان السكن، والمودة، والرحمة، واللباس، والحب، والمكان الذي يعيش فيه الفرد مع من يحب.
ـ وقد جعل الإسلام التربية في الصغر من النعم التي يجب على الفرد أن لا ينساها وعليه أن يذكرها دائماً وأن يؤد حقها عليه. قال تعالى: )وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ([الإسراء: 24].
فجعل الله التربية في الصغر ديناً واجب السداد على الإنسان في الكبر بالدعاء للوالدين، وحسن معاشرتهما، والإحسان إليهما.
2ـ حق الطفل في الحياة:
وقد سبق بيان ذلك في حق الجنين، فحق الحياة مكفول لكل إنسان قال تعالى: )ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً ([الإسراء: 31].
وقال تعالى: )قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم ([الأنعام: 139].
وقال تعالى: )من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ([المائدة: 32].
ـ وبذلك شدد الإسلام على قاتلي أطفالهم وتوعدهم الله بالخلود في النار.
3ـ الحق في المساواة مع باقي الأطفال:
ـ فالإسلام ساوى بين الناس جميعاً والله سبحانه وتعالى هو واهب الأولاد )يهب لمن يشاء إناثاً، ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً ([الشورى: 49 ـ 50].
من هنا وجب على الإنسان عدم التدخل في نوع الجنين وإلا حدث خلل إنساني كبير وهذا ما حدث في الصين عندما حددوا عدد الأولاد بواحد فقط تخير الآباء الأحبة الذكور وأسقطوا الأجنة الإناث، وعندما تعلم الإنسان كيف يتحكم في الجنين اختلت الأمور كثيراً وعندما استطاعوا التعرف على نوع الجنين انعكس ذلك على نفسية الأب بالذات والأم عندما علموا أن المولود بنت.
ـ وأنكر الإسلام التمييز بين الذكر والأنثى وأمر بالعدل بينهم، وميزت البنت بأن جعلها الله حجاباً للآباء من النار عند حسن تربيتهن. فقد روى الإمام أحمد في مسنده، عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن من جِدَته ( أي: ماله ) كنّ له حجاباً من النار ).
وروى مسلم، عنه صلى الله عليه وسلم قال: ( من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ـ وضم أصابعه ).
ـ وهذه أكبر وصية بحسن تربية البنات يحشر المسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم بحسن تربيتهن.
ـ وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى فاطمة الزهراء رضي الله عنها قادمة قام لها عن مجلسه، وأخذ بيدها فقبلها.
وعاب الله على الجاهلية كره البنات فقال: )وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون ([النحل: 58 ـ 59].
ـ وقد عابت المرأة على زوجها هذا السلوك الجاهلي فقالت:
ما لأبي حمزة لا يأتينا
يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا تلد البنينا
تالله ما ذلك في أيدينا
وإنما نأخذ ما أعطينا
.................................
4ـ حق الطفل في التربية والتعليم:
ـ حق التربية والتعليم من الحقوق الرئيسة لكل المسلمين ويبدأ هذا الحق من الطفولة، وعندما قال الله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة (.
قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أي: علموهم وأدبوهم.
ـ ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في تحفة المودود: ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آبائهم كباراً... وكم من والدٍ حرم ولده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم عما أوجف الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح ( وللحديث بقية بإذن الله ).
تميزحقوق الطفل في الاسلام
تميزت حقوق الطفل في الإسلام على حقوقه في القانون الدولي والوضعي بالعديد من المميزات التي يجب علينا تعرُّفها وتعلُّمها وإدماجها في برامجنا التربوية والتعليمية والتدريبية حتى نفعلها في حياتنا تفعيلاً عقلياً شرعياً، وحتى ندافع عن ديننا في ظل التشويه العالمي والمحلي لهذا الدين وشريعته السمحة الغراء، ووسطيته العادلة الفريدة في عالم غابت فيه الوسطية ومعايير العدالة المطلقة.
وقد أعد الدكتور عبد العزيز عبد الهادي من جامعة الكويت بحثاً فيما في حقوق الطفل ضمنها هذه المميزات ومنها:
1ـ أن الحقوق المقررة في التشريعات الوضعية جاءت نتيجة لأوضاع اجتماعية ظالمة، أو بسبب مشكلات يعاني منها المجتمع ومن ثم يحاول علاجها والسيطرة عليها بدراسات وتشريعات عرضة للخطأ والصواب والتعديل والتبديل.
ـ أما حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية فهمي مقررة من رب العباد، الذي لا يضل ولا ينسى، وهو الخالق العليم بما يصلح للنفس البشرية التي خلقها وسواها ولهذا جاءت أحكام الشريعة متخطية لحدود الزمان والمكان، والمحاولة والخطأ عادلة عدالة مطلقة.
ـ فالله واهب البنين وواهب البنات وهو واهب الحياة من هنا كان احترام هذه التباينات والحقوق واجب شرعي لا يجوز الاعتداء عليها في أي زمان ومكان بأي حالٍ من الأحوال، وما حدث في مؤتمرات السكان من محاولات إباحة الإجهاض دليل قاطع على أن ديمومة الشريعة أجب وأحفظ للحقوق.
ـ وعندما حفظت الشريعة حق المولود في النسب المعلوم والموثق والمشهود عليه والمعلن وحرمت إنجاب الأطفال خارج العلاقة الزوجية الشرعية، فقد حمت الأطفال من المشكلات المستقبلية التي يعاني منها المنجبون خارج إطار الأسرة الشرعية.
ـ حمت الشريعة الإسلامية حقوق الطفل من مصيبة التشريع بالأهواء وعدد الأصوات فلعن الله نظاماً يحل قتل الجنين بواحد وخمسين صوتاً ولا يستطيع منعه، بتسع وأربعين صوتاً، فهناك ثوابت مثل حق الحياة، وحق النسب، وحق الرعاية الأبوية، لا يمكن الخروج عليها شرعاً.
ـ أقرب الشريعة الإسلامية حقوقاً للطفل عجزت القوانين الوضعية لحقوق الطفل التغلب عليها كحقه في اختيار الأم ذات الأخلاق الحميدة، وحقه في الاسم الحسن، وحقه في الانجاب داخل الأسرة، وحقه في الرضاعة، وحقه في بيئة رحمية أولية طاهرة، وحقه في التربية الإيمانية، وحقه في الحماية من النار والشيطان والصيانة من الشاذّين خلقياً وجنسياً.
ـ كما حمت الشريعة الإسلامية حق الطفل في الرضاعة الطبيعية، والوصية الحنونة الهادئة، وحقه قبل الميلاد في الميراث، وحقه في الوصية والميراث الشرعي.
كما حمت الشريعة حق اليتيم في الرعاية الاجتماعية، وحفظ الأموال، والعطف من الجميع والحنان ونشأته في أسرة كافلة سوية.
ـ كما أن حقوق الطفل في الشريعة حقوق كلية حرصت على الكليات والحقوق الأساسية وأجازت الاجتهاد لوضع الآليات والتفاصيل التي تحكمها المستجدات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والسياسية.
ـ كما حمت الشريعة الإسلامية الطفل من التبني، وتغيير العقيدة، والاسترقاق وحفظت حقوق اللقيط والمريض وذوي الاحتياجات الخاصة، وحقه في الحياة وتحريم المتاجرة في أعضائه البشرية تحريماً أبدياً قاطعاً.
فلماذا لا تبنى جمعيات المرأة والطفل في ديارنا هذه التشريعات الربانية وتناقشها مع المنظمات العالمية بدلاً من الاكتفاء بالتلقي والتبعية في تلك التشريعات التي تميزت بها الشريعة الإسلامية.