الكتابة الخبرية (الوظيفية) والكتابة الإبداعية:هناك فرق واضح بين الكتابة الوظيفية والكتابة الإبداعية من حيث الشكل والمضمون والهدف وطريقة التقديم، كالفرق بين العلم والفن. وقبل أن ننتقل إلى تفصيل أكبر عن الكتابة الخبرية (الصحفية) يجب أن نميز بين
الكتابة الوظيفية (الصحفية)
والكتابة الإبداعية الأدبية. هناك عوامل مشتركة في النوعين من الكتابة من أهمها
الموضوع أي سواء كانت الكتابة وظيفية أم إبداعية فلا بد لها من موضوع تناقشه، ولكن لكل منهما ما يميزه عن غيره؛ فالكتابة الوظيفية هي التي تخدم هدفا معينا أو وظيفة محددة، وظيفة توصيلية فقط لتوصيل المعلومة للناس، وهي في علم الصحافة أو الإعلام نقل الأخبار للناس والقيام بوظائف وسائل الإعلام الأخرى التي سيأتي الحديث عنها لاحقا، حيث أن لها شروطا ومواصفات معينة ينبغي أن تتوفر فيها، وهي تختلف عن الغاية الأدبية التي يسعى الأديب لبيانها فيما يكتب.
الشخص عندما يكتب لغرض ما يجب أن تشتمل كتابته على بعض العناصر التي تخدم هذا الغرض، وأن تجيب عن بعض الأسئلة في الخطاب أو النص الذي تكتبه، وفي حقل الصحافة والاتصال الجماهيري يتحدث المختصون عن أسئلة ستة ينبغي للقصة الخبرية أو النص أن يجيب عليها أو على بعضها، يكتب الصحفي إذا بهدف واضح وهو تغطية أخبار معينة ونقلها إلى القراء في أماكنهم لوضعهم في صورة آخر التطورات والأحداث الساخنة أو الجارية التي تدور حول العالم.
لذلك فإن
الكتابة الوظيفية تحمل بعض الصفات غير المتوفر بالضرورة في الكتابية الإبداعية؛ فالكتابة الوظيفية (الصحفية) تكون كتابة
موضوعية و
تقريرية في وصفها للأحداث بمعنى أن الناقل لها وهو المندوب أو المراسل الصحفي لا يتدخل فيما يجري من أحداث بذاته ويقول برأيي أن هذا الحدث غير صحيح أو أنه لم يجر أو لو فعلوا كذا لكان كذا أو كان من الممكن لو عقد المؤتمر في فندق أفخم لكانت النتائج أفضل.
الكتابة الوظيفية أيضا كتابة
واقعية أي أنها تنقل الواقع كما هو.
الكتابة الوظيفية كذلك كتابة
آنية أو فورية أو هكذا ينبغي أن تكون بحيث تغطي الحدث ساعة وقوعه فما فائدة أن أغطي خبرا في عام 2006 عن أحداث وقعت عام 2000 اللهم إلا إذا لم تكتشف حتى هذا التاريخ بعض جوانب الخبر، أما أن أكتب في خبري أن
تشرنوبل حدث عام 1986 في روسيا أو أن نكتب خبرا عن انفجار هائل يودي بحياة الحريري لو وقع في الشهر الماضي، لأن الأخبار تفقد معناها أو قيمتها الخبرية بسرعة لأن الأحداث العالمية في تزايد مستمر، فلا تكاد تخلو ساعة من زمن من حدث جديد أو واقعة في أنحاء العالم على وسائل الإعلام أن تغطيها فور وقوعها. غالبا ما تنتهي
الكتابة الوظيفية بانتهاء الغاية الموضوعة لأجلها أي نشر الخبر. والأخبار هي أكثر شيء معرض للتلف في عصر التكنولوجيا والتطور الهائل في صناعة الإعلام الحديثة وفي عصر الانترنت الذي مكن الناس عامة الناس معرفة ما يجري في حينه، بل وأصبح بمقدور عامة الناس وكل الناس أن يقوموا بمهمة الصحفي إلى حد ما.
أما الكتابة
الإبداعية فقد تكون هي هدفا بحد ذاتها أي أن الكاتب يكتب
لأجل الكتابة
والإبداع والتصوير الفني الأدبي لما يكتب، مستخدما كل المحسنات لإبراز ما يريد وليس شرطا أن تكون الكتابة الإبداعية موضوعية لأنها في العادة تبرز
شخصية الكاتب فيما يكتب من نصوص أو لوحات فنية روايات قصائد، فالكاتب في حالة الكتابة الإبداعية يطلق لخياله العنان فيصور أشياء غير موجودة على أرض الواقع وأحيانا تكون الأشياء التي يصورها غير قابلة للوجود لأنها مستوحاة من الخيال، أي إنها مبالغ فيها إلى حد كبير.
ولا يعني الخيال توهم أشياء غير موجودة ولكنها الطاقة والقدرة الخلاّقة التي يتمتع بها الكاتب عن غيره، القدرة على توليف العلاقات بين الأشياء التي لا يمكن لغير المبدعين فعله، بينما يقوم الكاتب الوظيفي بمطابقة حدث أو حالة خارجية مع النص الذي كتب، ولا تستخدم المحسنات البديعية والبلاغية إلا في حدود ضيقة.
تجدر الإشارة كذلك إلى أن
الكاتب المبدع يمتلك القدرة على كتابة نص وظيفي، أي أن كاتبا أو روائيا لو شاهد حدثا وأراد أن ينقله للصحافة ووسائل الإعلام الأخرى فإن باستطاعته أن يفعل ذلك ويقرر ما حدث بكل موضوعية لكن ليس العكس بالضرورة صحيحا. بمعنى إنه ليس بمقدور كل الصحفيين أن يكتبوا قصصا وروايات بل قد لا يصلح بعضهم أكثر من ناقل للأخبار وربما لم يستطع أن يصيغ الخبر بشكله النهائي لجمهور القراء أو المستمعين، ولذلك سنتعرف على أن هناك
كتابة صحفية وتحرير صحفي والفرق بين العمليتين.
ومن الفوارق بين الكتابتين أن
الكتابة الوظيفية (الصحفية) تنتهي بانتهاء الغاية الموضوعة لأجلها وهي نشر الأخبار وإعلام الناس، ولا تصلح لإعادتها وتكراراها في كل وقت وحين، على سبيل المثال خبرا عن زيارة رئيس وزراء بريطانيا لمنطقة الشرق الأوسط، لا ينفع أن نكرره قي وقت آخر أي لو أنه كرر الزيارة بعد شهر. بينما نجد أن الكتابة الأدبية تبقى وتدوم سنينا بل قرونا بعد كاتبها ونحن نكررها وربما يعيد مدرس اللغة العربية رواية عبد المجيد جودة السحار في بيتنا رجل لطلابه سنينا متواصلة أو أن يكون ذلك مقررا ومنهجا دراسيا تقرر إدارة المناهج في وزارة التربية على مدار عقد من الزمن. فلا زلنا على الصعيد العربي مثلاً نتغنى ببعض
المعلقات من عصور الجاهلية قبل الإسلام ونستذكر كتابات الجاحظ والبلاغيين، والفلاسفة الإغريقيين واليونان وغيرهم، حتى في جامعاتنا يدرس الطلاب الأدب القديم والأدب الحديث والشعر الجاهلي والشعر الحديث وهكذا، ولا أظننا نذكر خبرا عن أحداث تكون قد وقعت لبضعة سنين مضت، أو أشهر قليلة ماضية.
كما أسلفنا فإن الفرق واضح بين الكتابتين كالفرق بين العلم والأدب، بالطريقة العلمية تتبع منهجا محددا لها ضوابط وحدود وأسس معينة يجب أن تطبق، في حين أن الإبداع أو الفن والأدب شيء شخصي وجهد شخصي غير تراكمي على المستوى العالمي، كما في حالة العلوم والاكتشافات، وربما لا يمكن تطبيقه على شخصين وبكل بساطة يمكن أن نقول طريقة فلان في التعبير، وهذا لا ينطبق على النواحي العملية المنهجية.
اللغة الوظيفية لها هدف محدد توصيلي غايته أن تصل المعلومة للمستقبل أيا كان وحيث كان بحيث يستفيد منها، بينما تمتلك الكتابة الإبداعية هدفا جمالية غير الهدف التوصيلي، حتى أن كل المتلقين قد لا يستفيدوا من النص الإبداعي وقد لا يرقى كثير من القراء إلى مستوى فهم النص الإبداعي، وهذا لا يمكن حصوله في النص الوظيفي لأن من أبسط شروط التحرير الصحفي هو تبسيط المعاني والكتابة بلغة مفهومة لعامة الناس
منقول عن
https://www.d1g.com/forum/show/4480576