اعتدنا أن نقرأ في الصحف قبل حلول الصيف موضوعات معينة تتعلق بقضاء الوقت و الأنشطة ، التي تمارس في الإجازات و نحو هذه الجوانب المتعلقة بهذه القضية . و هذا التوقيت الذي يسبق الإجازات أمر طبيعي بحكم ، ان الموضوعات الصحفية في غالبها ، تتناول قضايا الساعة ، و تعالج المشكلات الطافية على السطح . لكن غير الطبيعي ان تبقي مثل هذه المشكلة بدون حل على مدار هذه السنوات الطويلة . و كأن حل القضية أصبح مستحيلا ، و كأنها تجاوزت مرحلة الحلول فيقبل الصيف ، و تسخن المشكلة ، و تثار ، و ينتهي الصيف ، و يبدأ الشباب في أعمالهم ، و تبرد المشكلة ، حتى يأتي الصيف ليسخنها بحرارته ؛ و تبدأ الأحاديث من جديد ... ، و هكذا .
إن تصور المشكلة على حقيقة جزء أساسي في حلها ، و هذه بدهية لكن تصوراتنا للصيف حتى الآن ، تجعله فراغ طويل لا عمل فيه ، و يحتاج الشباب إلى أنواع من الأنشطة المسلية للقضاء على ذلك الفراغ . هذا هو التصور الذي يقدم لنا عن الإجازة الصيفية . و لهذا التصور دوره في المعالجة ، فهل الإجازة فراغ طويل ؟ و هل نريد القضاء على ذلك الفراغ ؟ ان وقت الإجازة يشكل نسبة من أعمارنا ، و هي ليست رخيصة عندنا لنقضي عليها . إن تحديد المشكلة ينبغي أن يوضع في تصور آخر ، يجعلنا نحس ان هذه الإجازة جزء من أعمارنا الحقيقية ، و ان القضاء على هذا الفراغ الطويل ينبغي أن يوجه ، و يستغل فيما يفيدنا .
إن فترة الصيف تختلف عن المواسم الأخرى من السنة ، من حيث الرغبة في العمل و الإنتاج ، بحكم تأثير المناخ على نشاط الإنسان . لكن ينبغي أن لا يصل الأمر إلى شطب هذا الجزء من أعمارنا ، ليصبح صفراً في حساب الزمن .
إن الإحساس بأهمية هذا الوقت تدفعنا بدون شك لاستغلاله فيما يفيد ، و في حدود الطاقة الإنتاجية التي تتناسب مع الصيف نفسه . ان الشباب أنفسهم خير من يقدر قيمة الوقت إذا عرفوا الحاجة إلى استغلاله ، خاصة و ان الكثير من المهارات الأساسية الضرورية تنقص معظم شبابنا . و هم يشعرون بذلك النقص في الحياة العملية التي تتطلب منهم تلك المهارات مثل :
ـ مهارات القراءة السريعة .
ـ مهارات الكتابة السريعة .
ـ مهارات الوصول إلى المعلومات من المراجع .
ـ مهارات فهرسة المعلومات .
ـ مهارات النسخ على الآلة الكاتبة .
ـ مهارات تصنيف المكتبات .
ـ مهارات ترتيب الأفكار وإعداد التقارير المختصرة .
ـ مهارات تنظيم الرحلات .
ـ مهارات الاستفادة من الرحلات .
ـ مهارات العلاقات العامة .
ـ مهارات المقابلات الشخصية .
ـ مهارات إعداد اللقاءات .
ـ مهارات تشغيل الحاسب الآلي .
ـ مهارات استخدام البرامج الجاهزة للحاسب الآلي .
فهذه المهارات الأساسية و الهامة في الحياة العملية ، نحزن عندما نشاهد شبابنا في الجامعات و في المدارس الثانوية لا يتقنونها ، كما نلاحظ تفوق من يتقن بعض المهارات ، التي يستلزمها عمله أو بحثه أو دراسته . فتجد الطالب الذي يكلف ببحث مبسط ، يمضي عدد من الساعات و الأيام ، و هو لا يحسن الوصول إلى من مصادرها ، و إذا وصل إلى تلك المعلومات بمساعدة غيره من أمناء المكتبات أو بعض رواد المكتبة نجده يمضي الساعات الطوال في ترتيبها و إعداد تقريرها . و نجد بعض الشباب في رحلاتهم الخاصة أو الرحلات التي تنظم في الجامعات أو المدارس لا يحسن تنظيم وقت رحلتهم ، و تتحول الرحلة إلى نزهة ، و تناول طعام ، و ما ذاك ، إلا بسبب عدم المقدرة على تنظيم الرحلات ، و هي مهارات سهلة و ميسرة ، لو أن الطالب درب عليها لإمكانية الحصول على فوائد كثيرة من رحلته تفوق النزهة و الطعام .
إن معالجتنا لمشكلة الفراغ في الصيف ، ينبغي أن تنطلق من مسلمتان أساسيتان أن هذا الوقت هام بالنسبة للشباب ، و ان الشباب في حاجة إلى اكتساب مهارات أساسية في هذا الوقت بالذات ، لان الأوقات الأخرى مليئة بمسؤوليات أخرى .
إن الانطلاق من هذه المسلمتان، سيلزمنا بتغيير تصوراتنا و تصورات شبابنا حول الصيف و الفراغ . و ذلك لن يكون أمرا سهلا يعالج من خلال مقالة أو مقالات ، تكتب في الصحف ، ولكنه يحتاج إلى جهود منظمة ، تبدأ من تحديد التصور الواضح للمشكلة و تصويرها للشباب لمعايشتها من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة ، ليتفاعل معها ، و يستوعبها ، و يعطي تصوراته عنها و المساهمة في إعطاء تصورات لحلولها من خلال هذا التصور . و من ثم وضع الإجراءات العملية لعلاج المشكلة و ذلك بإعادة تنظيم برامج الأنشطة الصيفية القائمة .
إن من ابرز الانتقادات التي توجه إلى برامج الأنشطة في الصيف عدم وضوح أهدافها ، ما عدا قضاء الفراغ ، و هو ليس هدف في حد ذاته أو ليس الهدف النهائي على الأقل . و من الصور الواضحة لعدم تحديد الأهداف ، إن بداية التسجيل في المراكز الصيفية تبدأ قوية و بأعداد هائلة و بعد أيام ، يبدأ تسرب الشباب و غيابهم فلماذا هذا التسرب؟
إن السبب المنطقي لهذا التسرب ، هو عدم مواكبة طموحات الشباب بتجديد البرامج المقدمة . فهي تكرار للأنشطة التي بدأت منذ أول يوم في المراكز بل تكرار لأنشطة العام الماضي ، و هذا التكرار في حد ذاته كفيل بإيجاد الملل ، و من ثم الانصراف عن تلك الأنشطة و العودة إلى الفراغ و الضياع .
ماذا لو اتجهت الأنشطة إلى إشباع حاجات الشباب الفعلية و تحقيق المهارات التي يعاني الشباب من نقصها في دراستهم و أعمالهم . ماذا لو اتجهت البرامج إلى إعداد دورات قصيرة من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع يتم خلالها تقديم برامج مكثفة ، تركز فقط على تلك المهارة ، و يكون العدد محدودا ، و يعطى الطالب شهادة تفيده باجتياز هذه الدورة ، و تتاح الفرصة له في عدد من الدورات خلال الصيف ، ليحقق من خلالها ملء الوقت ، و إتقان مهارات مفيدة هو في أمس الحاجة إليها .
قد يظن البعض أن مثل هذه الدورات ، تتعارض مع الإجازة التي اعتاد الشباب على اللهو وعد الجد فيها ، و هذا في واقع الأمر نتيجة للتعود على هذا الأسلوب ، الذي استمر طويلا ، و إذا ما خطط لإزالة هذا التصور ، و بدأ التطبيق ، و شعر الشباب بفائدته و الفروق الواضحة بينهم أثناء العام الدراسي نتيجة للتفاوت في المهارات المكتسبة ، فان النظرة إلى الإجازة و البطالة ، سوف تتحول إلى شيء من الجدية النامية مع مرور الوقت.
إن مراكز خدمة المجتمع في جامعاتنا مؤهلة للقيام بهذا الدور ، وك ذلك المراكز الصيفية المنتشرة في أرجاء الوطن ، بشرط أن تتبدل المنطلقات و الأهداف التي اعتاد منظمو الأنشطة ، أن ينطلقوا منها ، و يهدفون إلى تحقيقها . إن إزالة فكرة أن الإجازة كسل و خمول ، ينبغي أن تزال ، و يحل محلها أن الشباب في حاجة إلى استغلال الصيف لتنمية مهاراتهم في أمور يحتاجون إليها ، و تملا فراغهم في نفس الوقت .فهل ذلك ممكن ؟ انه ليس من المستحيل .
منقول