[right]
المقدمــة:
لا يتعجب المربي إذا عرف أن البيداغوجية الحديثة تستعمل التجربة وأحيانا التجريب.
فالملاحظة المنهجية (العلمية) للطفل هي التي يجب أن تؤخذ كأساس ليس لمعرفة سلوكات فقط بل وأيضا لفهم هذه السلوكات.
كما أن العليم والتربية تخلقان بالضرورة وضعيات ومسارات يجب إتباعها علميا دون إهمال الجانب البيداغوجي وتلك التطبيقات.
فباستعمال لمصطلح –تجريبي- نكون بعيدون كل البعد عن أي تلاعب (استغلال) خاطئ للأطفال يجعلهم مجرد "عنصر تجربة".
إن الكلمات هي أدوات لا يجب أن لا تغلب على الأشياء الأخرى.
قبل التقدم في محاولتنا للتعريف –حسب رأينا- بالبيداغوجيا التجريبية، نحاول أن نقدم تعريفا لبعض المصطلحات لا نقول ليسهل فهم بعض التصورات البيداغوجية لكن حتى تحمي القارئ من استنتاجات خاطئة (hâtive).
البيداغوجية العلمية:
كفهم مثلا على أنها < < تطبيق طرق علمية على سلوك قسم>>. وهذا ما تراه Maria Montessori التي تتبنى الملاحظة العلمية للأطفال – أي الملاحظة المنظمة، يستطيع المعلم أن يستخرج منها السلوكات التربوية التي تتناسب مع الطفل ومن جديد يلاحظ السلوكات الناتجة عن مثل هذه السلوكات (Conduites).
1
2
ننبه أن Maria Montessori في نفس الكتاب (منزل الأطفال) تستعمل مصطلح بيداغوجيا تجريبية لتحدد هذه الآلية (Processus) لكن نظام Montessori ونظام Decroly يستلهمان من حدس صاحبيهما، ومن بعض الاكتشافات (المؤقتة) في علم نفس الطفل بل ومن النظريات السيكولوجية كالترابطية([(Associationnisme) حسب Maria Montessori. لهذا السبب يسمي Buyse هذه البيداغوجيا بعبارة بيداغوجية مجربة (Ped. Experiencée).
وفي كتـاب حديث اختـار G. Mialaret مصطلح علم النفس البيداغوجي لتحديد البيداغوجية المعتمدة على قوانين علم النفس التربوي، في كتاب له أقدم. استعمل G. Mialaret مصطلح بيداغوجيا علمية جديدة التمييز البيداغوجيا التجريبية عن البيداغوجيا العلمية التي ذكرتها Montessori.
إن مفهوم علم النفس البيداغوجي متنوع. فتحت العلامة C.M.P.P (المركز الطبي السيكوبيداغوجي) دون خط فاصل بين مصطلح سيكو وبيداغوجي، نقصد بها المكان الذي يفحص فيه الأطفال من طرف الأطباء والسيكولوجيين ويعالجون من طرف الأطباء والبيداغوجيون أو السيكوبيداغوجيون: أي أنه وضعتا طرق إعادة التربية (Rééducation) معتمدة على الخصائص السيكولوجية للأطفال حتى تغطي النقائص التي تتمناها مؤقتة. في هذه الحالة نتحدث كذلك عن البيداغوجية العلاجية.
لكن هناك تصور Buyse لمصطلح علم النفس البيداغوجي فهو دراسة الآليات العقلية المستعملة لتعلم مختلف المواد المدرسية.
ومصطلح (Pedapsychologie) اقترحه Mialare])وهو دراسة السلوكات(Conduites)والآليات(Processus) الظاهرة أو المستعملة عند الفعل البيداغوجي (Action Pedag.) فهو يميز إذن بين (Pedapsychologie statique) (ساكنة) التي تحاول وضع تقارير (bilan) موضوعية ودراسة أثر هذا الشكل أو ذاك للوضعية التربوية، و (Pedapsychologie dynanimique) تحوي الـ (Pedapsychologie statique) وتضيف دراسة < < التفاعلات الكثيرة التي تحدث بين العناصر الموجودة وتأثيرات سلوكات التلاميذ على الوضعية التربوية نفسها>>. هذه اللمحة الوجيزة، تظهر تعقد التصورات والجهود لتوضيح المفاهيم.
للأسف لا يوجد اتفاق عام حول هذه المصطلحات وأي عبارة مستعملة من طرف باحث يجب ردها للتصور الخاص بذلك الباحث. لهذا الغرض سنقدم بعض التعريفات في هذا الكتاب.
من جهة أخرى مصطلح –تجريبي- يستحضر تصور –التجربة- وهو تصور غير سهل. فإذا كان الجميع متفقون على المعنى العام: معرفة مكتسبة في مرحلة الوجود (سنتحدث عن التجربة القديمة)، فإن المفهوم غير واضح إذا خصت التجربة البيداغوجية الفعل البيداغوجي (Action) من وجهة النظر هذه نميز:
أ- المحاولة (Essai): أو استعمال طريقة جديدة لفعل أو كينونة (faire ou être) (مثلا: المطبعة في المدرسة، الأرقام الملونة في آلات الطبع، والاتجاهات غير الموجهة).
نقارن إذن معتمدين على التذكر والتخمين ، النتائج التي نتحصل عليها مع تلك التي كنا نتحصل عليها قبل التغيير.
مثل هذه التجارب تعصف تجارب للمشاهدة (expérience pouvoir)، نلح أن مثل هذه التجارب ضروري لتطور البيداغوجيا.
3
3
ب- التجربة الموضوعية أو التجريب: هنا نتحكم في شروط المحاولة ونتائجها بعرضها (مقارنتها) بأفراد لم نجرب عليهم المحاولة. وتهتم البيداغوجيا التجريبية بهذا النوع من التجارب، في هذه الحالة الأخيرة لم يؤخذ الطفل كحيوان تجربة كما يؤخذ في أي تطبيق بيداغوجي جديد. فتاريخ البيداغوجيا يظهر أن الطفل كان يؤخذ دائما كحيوان تجربة ولا يمكنه أن يكون غير ذلك وإلا حدث خلل في التعليم أكثر خطورة على الأمة والإنسان من تلك الأخطار التي قد يخلقها المبدعون (Rénovateur) في المجال التربوي، ولكن كما سترى ليس غرض البيداغوجية التجريبية هو الإبداع (innover) ولكن مراقبة (التحكم) في هذه الإبداعات.
فالبيداغوجي الذي يعتقد أنه يحمي الأطفال لرفض تجارب البيداغوجية التجريبية وترسانتها من الاختبارات والمقاييس وكما يقال: يندفع في استكمال هذا المنهج الجديد أو ذاك، دون التحكم وأحيانا دون تكوين، هو الذي يأخذ الطفل كحيوان تجربة وليس الباحث البيداغوجي التجريبي يرغب في التحكم في تأثير أو مفعول الطريقة التجريبية.
لعلّ مفهوم –التحكم- هذا هو الذي جعل صدى البيداغوجيا التجريبية، ضعيفا في الأوساط البيداغوجية الفرنسية من جهة لأن تكون الإطارات العليا والوسطى في التربية الوطنية كان بالنسبة لعدد كبير منهم، تكوينا فلسفيا-أدبيا، غير متقبل لإدخال تقنيات عملية في ميدان الفعل البيداغوجي ومن جهة أخرى قد يكون هناك خوف من أن هذا النوع من التحكم لن يقبل من طرف التربويين أنفسهم، هذا لاشك والخوف (Crainte) يجد معناه عند التربويين إذا عرفنا أن المناهج التي درسوها كانت معرفة على أنها صحيحة ولا يمكن أن تخطأ، وكانت الطرق المختلفة تفرض فرضا خاصة على الإطارات المتوسطة، من طرف رؤسائهم وهي نابعة من آراء وليس من تجارب. لكن هذا المأخذ لا يخص السلطات فقط بل هناك مبدعين رفضوا المراقبة التجريبية ومثال Freinet معروف.
4
إننا نعيش فترة تغييرات بيداغوجية عميقة فالمحاولات المنفردة كثرت وهي مستلهمة أحيانا من ذلك الاستكمال الخاطئ (Hâtive) لبعض المذاهب غير المفهومة (mal assimilé) وأحيانا من التساؤلات الموضوعية وغير العقلانية (contestation irraisonnée) ومرّة أخرى يكون الطفل حيوان مخبر، هنا تكون بعض مفاهيم البيداغوجية التجريبية مفيدة ليس للتجريب ولكن لوعي ما هو هذا التجريب.
في مقابل هذه المحاولات غير المتحكم فيها وأحيانا الخطيرة يوجد بيداغوجيون يطبقون بحث "وحشي" لكن يرغبون في سند ولهؤلاء الكثيرين وضعت هذا الكتاب.
4
هدف هذا الكتاب إذن هو تقديم إعلام أولي عن البيداغوجية التجريبية، وهو إعلام ليس تام بحيث إذا أنهى القارئ هذا الكتاب ظن أنه أصبح يعرف هذا العلم، وهنا على الأقل سيكتب معطيات تساعده على دراسة كتب أكثر تفصيلا، ومن المهم أن نقول أن البيداغوجيا التجريبية علم يتطلب علوم أخرى كالإحصاء مثلا –الذي لم نعرض له كيرا في هذا الكتاب-.
بعض البيداغوجين سيكتشفون، مثل M. Jourdain أنهم يمارسون بعض أشكال البيداغوجيا التجريبية وسيقتنعون أنه لا بيداغوجيا تجريبية بدون بيداغوجي أي دون تعاون بين المعلمين والباحثين.
في الخير أننا إذا قدمنا التصورات التي اتفق عليها الكتاب فيما بينهم، فكذلك لم نهمل بعض الأوضاع الخاصة (الشخصية)، كما نسبنا بعض الأعمال إلى البيداغوجيا التجريبية وينسبها آخرون إلى علوم أخرى كما سنرى مع علم النفس الاجتماعي.
لكن كل هذا ليس مهما، المهم هو ذلك الاعتقاد الأناني المتأخر التي يرى أنه بإمكان إدخال اللاعقلاني (rationnel) في ميدان البيداغوجية.
إن أخطر خطأ يمكن أن نقع فيه على حساب أخلاقيات التربية هو إدخال تصرفات أو سلوكات تربوية جديدة دون أن نعرف مسبقا كل نتائجها ورفض حتى دراستها.
نحن لا نريد محاكمة الحدس الإبداعي أو الإبداعات التي لا تطور، بل ما نريد هو مزاوجة العقل بالاعتقاد وهو زواج صعب (raison et foi) طول الكتاب فتح –عندما يكون ذلك ممكنا- الحوار بين الكاتب والقارئ.
لقد طرحنا أسئلة وتركنا القارئ يجيب عنها كما لم نستعمل التغييرات العلمية وعندما يكونا ضروريان قدمنا تعريفات حتى تسمح للقارئ المطلع على العلوم الإنسانية بتكوين فكرة عامة.
ومن تجربتي الشخصية في التعليم تعلمت أن أكبر عي في المعلم اعتقاده أن ما هو السهل لديه سهل عند تلميذه، وأن تقديم الشروح على ذلك مضيعة للوقت.
لقد عملت على استثارة القارئ قليلا و أتركه لذاته وأتمنى أن أكون ناجحافي دلك..
منقول للفائدة
جون سيمون.البيداغوجيا التجريبية ترجمة د.بوفولة بوخميس
كتبهابوخميس بوفولة ، في 20 مارس 2008 الساعة: 16:43 م