نكتشف في كل يوم نموذجاً جديداً من نماذج البشر الذين نقابلهم ونتعامل معهم، وفي كل يوم نكتشف في أنفسنا سوكاً وأسلوباً نندهش من كوننا نمارسه دون أن ندري، وبقدر ما تكون بعض مشاكلنا سهلة بسيطة وحلها بديهي ومنطقي، إلا أننا كثيرا ما نركز في المشكلة أكثر من تركيزنا في الحل، لذلك إما أن نعقد هذه المشكلة أو نتجاهلها أو ندعي بأنها لا وجود لها.
سأخبركم بشيء قد يمر بنا دائماً دون أن نفكر في أبعاده أو انعكاسته علينا وعلي ما يحيط بنا.
فلو دفعتك الصدفة لالتقاط شيء ما وقع منك علي الأرض وأنت تجلس إلي مائدة في مكان عام، فلا تنسى أن تلقي نظرة إلي أسفل سطح هذه المائدة، إذ أنني متأكدة بأنك سوف تفاجأ بلوحة سريالية غير عادية من ألوان وأنواع (العلكة أو المستكة أو اللوبان، أو أي كان اسمها) ملصقة أسفل هذه المائدة، فمن منا يستطيع مقاومة هذه العادة عندما ينتهي من مضغ (اللوبان أو العلكة أو المستكة أو اللبان؟؟؟) خاصة بعدما ينتهي من إشباعها علكا ومضغا وتدويرا بين أسنانه، وكأنه يحمل لها غل الدنيا كلها، أو ينتقم من خلال مضغها من كل ما يزعجه في هذه الحياة.
أنا متأكدة تماماً بأن أي منا لن يغامر بالتخلص من قطعة اللوبان بعدما انتهى منها داخل جيبه أو حقيبته، فهو حتما قد ينساها، أو لن يجيد لفها، (فتسيح) وتلتصق بثيابه وأدواته وتسبب له كارثة لها تبعات وتداعيات يصعب التخلص منها. كما لن تصل بنا درجة التهور لابتلاعها، إذ أن تحذيرات أمهاتنا في الصغير وإنذاراتهن لنا مازالت تطرق دماغنا بعنف، وتوقف قطعة (اللوبان) في منتصف الطريق إلي البلعوم خوفا ورعبا من انسداد (مصاريننا) وموتنا البطيء!!!
ماذا نفعل إذاً؟؟
هناك ثلاث طرق تكاد تكون عالمية للتخلص منها
أولها هو أن تبصق قطعة اللوبان علي الأرض وتتخلص منها بكل بساطة وسهولة. ولكن وكي لا يؤلمك (ضميرك) أو يستفزك (وعيك البيئي ) فإنني أقترح عليك أن لا تبصقها في وسط الطريق، بل اختر زاوية بعيدة عن موضع الأقدام وفق مبدأ إماطة الأذى عن الطريق.
فان كان لابد من التخلص منها فورا، ولا تقدر علي تأجيل ذلك،وليس قربك برميل قمامة ولم تجد مكانا مناسبا للتخلص منها، فارضي ضميرك وقم بتحريكها قليلا وسط التراب، حتى تأمن عدم التصاقها بحذاء أحد وانتقالها معه إلي سجادة بيته وربما الي سجادة بيتك انت!!!.
أما أفضل الطرق وأكثرها أمناً (بيئيا) علي الأقل، فهو الأسلوب الذي اقترحته صديقتي، حينما أخبرتني عن تجربتها الشخصية في التخلص من (اللوبان) باعادة استخدامه كمادة لاصقة فعالة ومجدية في جميع الحالات، ابتداءً من استخدامه في سد الشقوق والثقوب، وانتهاء بتثبيت الأوراق وأجزاء الحلي، رغم المخاطر الخفية لهذا الأسلوب في حالة ارتفاع درجات حرارة الجو.
أنا أمزح في هذا الأمر ولن اطلب منكم تبني واحدة من الطرق الثلاثة المذكورة آنفاً للتخلص من هذه المشكلة اللاصقة المزعجة لاننا الآن وبكل بساطة ركزنا علي الحل ولم نركز في المشكلة !!!
هل رأيتم صعوبة التخلص من تلك القطعة اللعينة التي أمتعتنا لحظة، ثم ألقتنا في حيرة التخلص منها؟؟؟ إنها حقا مشكلة لاصقة ومزعجة، بل هي مشكلة بيئية أخلاقية, ومظهر من مظاهر التلوث الجمالي للمكان، فمن منا لم تزعجه تلك البقع الناتجة منها والتي تغطي أرضيات المباني العامة، والأرصفة، وتشوه الكراسي والمناضد في كل مكان، وربما تنتقل معنا إلي بيوتنا وتفسد ملابسنا وأمتعتنا ومقتنياتنا دون أن ندري.
ولأوضح لكم خطورة هذا الموقف، وصعوبة التخلص من تلك القطعة المطاطية الغريبة، أؤكد لكم بأننا لسنا وحدنا من نعاني من هذه المشكلة إذ تحولت مدينة ( ليفربول) ببريطانيا, ابتدأ من عام 2005 إلي أول مدينة في العالم تفرض ضريبة علي ( اللوبان والمستكة) في محاولة لمواجهة هذا التلوث اللاصق ، ومنذ ذاك الوقت اضطر ماضغو ( المستكة و اللوبان) إلي تمويل أجور عمال النظافة المكلفين بالتخلص من أثار ( اللوبان) من علي الأرصفة والأماكن العامة، إذ أن تكلفة إزالتها تكلف الكثير من الوقت والجهد.
وسواء قمنا بنشر الوعي بيننا للتخلص من هذا التلوث اللاصق، أو فرضنا ضرائب ومنعنا استيرادها، ورفعنا أسعارها، أو أطلقنا حملات للتقليل من مضغ ( المستكة و اللوبان) تظل القضية واحدة، فلو اننا فكرنا في هذه العادة من منطلق ذاتي سوف نكتشف أن القضية ليست في كيفية تخلصنا من قطعة( لوبان) تحيرنا، ولكن القضية تتلخص في كيفية تخلصنا من مشاكل كثيرة تحيط بنا، فنحن كما تعودنا علي أن نبصق قطعة (لوبان) دون أن نفكر فيما سيحدث بعد ذلك، تعودنا أن نتجاهل المشاكل العامة التي لا تخصنا مباشرة، فماذا يهم إذا ما تخلصنا من مخلفاتنا ومياه الصرف الصحي، ومخلفات مصانعنا ومنشأتنا في البحر، فهو قادر علي حملها بعيدا عنا ولن يصل إلي بيوتنا، وهذا أهم شيء!!!
وكما تعودنا أن نلصق تلك القطعة المزعجة أسفل المناضد والمقاعد في الأماكن العامة، خلسة ودون أن يرانا احد، فإننا قادرون علي أن نتخلص من مشاكل السطحية واللامبالاة و الفراغ الفكري والثقافي الذي يعاني منه أطفالنا وشبابنا، ونلصقه بالعولمة والانفتاح وتأثير الفضائيات ومخاطر (الانترنت) وننسي بأننا نحن من ألصقنا قطعة ( اللوبان) اقصد تلك الأفكار في عقول أبنائنا بتجاهلنا لمشاكلهم، وعدم الحوار معهم، والمساهمة أكثر في زيادة اتساع الهوة بيننا وبينهم.
وبالرغم من اننا نحرص علي عدم ابتلاع تلك القطعة اللعينة ، إلا اننا استطعنا أن نبتلع خيبتنا، ونلصق كل أخطائنا بغيرنا، ونلقي بكل سلبياتنا علي عاداتنا وتقاليدنا ومخاوفنا من مخالفتها، ومن كلام الناس.
وهكذا يا أصدقائي سنستمر في مضغ (اللوبان)، ثم نتظاهر بأن كل شيء علي ما يرام.
مقتبس